الطريق شاق طويل
والزاد قليل
والأمل والرجاء فيك يا جليل…
مالك تدمن إمساك العصا ولست بكبير ولا مريض
فقال: لأذكر أني مسافر .
الطرق كثيرة متشعبة أمام المسافر .
وفي وسطها طريق واحد هو الموصل للغاية المنشودة لا غيره
معلن عليه
أن المقيم على سفر فلا يركن وهذا هو الطريق الحق فلا يُتَنكَّبْ.
يقول ابن القيم رحمه الله
لم يزل الناس مذ خلقوا مسافرين، وليس لهم حط لرحالهم إلا في الجنة دار النعيم أو في النار دار الجحيم
والعاقل يعلم أن السفر بطبعه مبنيٌ على المشقة والأخطار
بل هو قطعة من العذاب واللاواء
ومن المحال أن يطلب في السفر عادة النعيم والراحة واللذة والهناء
فكل وطأة قدم أو أنة من أناة المسافر بحساب
وكل لحظة ووقت من أوقات السفر غير واقفة والمسافر غير واقف
فإذا ما نزل المسافر أو نام أو استراح فهو على قدم الاستعداد للسير في قطع المفاوز والقفار
وقد انعقد المضمار وخفي السابق
والناس في هذا المضمار بين فارس و بين راجل وبين أصحاب حمر معقرة.
ولا سبيل إلى ركوب هذا الطريق إلا بأمرين
أحدهما:
ألا يصبوا في الحق إلى لوم لائم فإن اللوم يصيب الفارس فيصرعه عن فرسه
والثاني :
أن تهون عليه نفسه في الله فيقدم حينئذ ولا يخاف الأهوال فمتى خافت النفس تأخرت وأحجمت وإلى الأرض أخلدت.
لا بد من المسافر من رفقة
ومن عدة وعتاد ودليل ومنهاج واستعداد بزاد، وهدف ووجهة ، ومحطات استراحة، ووسائل مثبتة، ومركب .
صدق اللجأ إلى الله والانقطاع إليه بكليته وتحقيق الافتقار إليه والتوكل عليه
فكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم القائل –كما ثبت عنه-
((تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي )).
ومن سلك طريقا بغير دليل ضل، ومن تمسك بغير أصل ذل.
من الزاد
فإيمان وعمل صالح:
( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) وكثيرا من مثل هذه الايات .
ومن الزاد:
إخلاص لله وقصد بالعمل وجه الله لا سواه:
( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)(البينة: من الآية5).
( إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ)
ومن الزاد :
متابعة رسول الهدى صلى الله عليه وسلم ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(الحشر
جماع الزاد
وجماع الزاد هذا كله: تقوى الله جل وعلا: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)(البقرة: من الآية197)
ولا بد للمسافر من رفقة وصحبة،
والمسافر مهما تكن مواهبه، ومهما يكن عطائه ومهما تكن قدراته، فإنه يبقى محدود الطاقة والقدرة ما لم يكن له أعوان يشدون أزره، ويقوون أمره، يذكرونه حين ينسى ، يعلمونه حين يجهل، فالمرء قليل بنفسه، كثير بإخوانه، ضعيف بنفسه، قوي بأخوانه.( قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآياتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ).
لكن له صفات تحدده
*أن يكون مؤمنا:
(( فلا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي ))
*أن يكون عاقلا:
أن يكون عدلا غير فاسق:
*أن يكون غير مبتدع :
*أن يكون حسن الخلق غير حريص على الدنيا :
أما محطات الاستراحة :
فإن المسافر بطبعه يكل، وينصب، ويتعب، ويمل، وراحته وأمنه وسكينته
(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ )
أما هدف المساغر ووجهته: فللمسافر وجهة، ومسافر لا يحدد وجهته كالثور يدور في السياقة
فما وجهتنا – عباد الله - ؟ إنها ( َجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)(آل عمران: من الآية133).
من جد وجد، ومن سهر ليس كمن رقد، والفضائل تحتاج لوثبة أسد.
إنها سلعة الله وكفى ؛ سلعة الله غالية جد غالية، تحتاج إلى مثابرة ، وجهد وصبر ومصابرة وتضحية ومغالبة.
إنها الدعوة اإلى الله الكبير المتعال، على علم وبصيرة،
لأنك في هذا السفر ستجد دعاة على الطريق يريدون أن يجتالوك عن الطريق، فإن لم تدعهم إلى الحق الذي تحمله دعوك إلى الباطل، إن لم تغزهم بالحق غزوك بالباطل، إن لم تعرض عليهم الحق عرضوا عليك الباطل في صور الحق، فارفع على الطريق:
(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ)
كأني بك بعد هذا كله قد حددت وجهتك.
وعرفت طريقك.
وأخذت عدتك وأهبتك.
واخترت رفقتك.
تعليقات
إرسال تعليق